ماذا تعرف عن الصوفية والتصوف ؟
د. عبد العزيز يوسف آغا.
//////////////////////////////////////////////
منذ مطلع القرن العشرين، تزايد الاهتمام البحثي بالصوفية، وكثر المهتمون بفلسفتها وأفكارها والبحث وراء غاياتها وأغراضها، ووضعوا لها التأويلات البعيدة والقريبة بغية التوصل لعلاقتها المعرفية بالتاريخ القديم، وأواصر صلتها بالتاريخ الحديث.
وفي كتابه “في التصوف الإسلامي وتاريخه”، اعتنى المستشرق الإنجليزي رينولد ألين نيكولسون بتراث الصوفية في تاريخ الإسلام، إذ رأى فيها أخص مظاهر الحياة الروحية عند المسلمين.
وكرّس المستشرق الذي يعد أفضل المترجمين لأشعار جلال الدين الرومي- حياته الطويلة في دراسة مصادر التصوف العربية والفارسية، والعوامل التي ساعدت على نشأته ونموه، إذ يتناول المؤلف في هذا الكتاب الزهد والتصوف والفرق بينهما.
ويقول الكاتب : إن بذور التصوف الأولى ظهرت في نزعات الزهد القوية التي سادت العالم الإسلامي في القرن الأول الهجري. واختلف الباحثون في تفسير كلمة “التصوف”، فمنهم من أرجعها إلى لبس الصوف الذي كان يؤثره المتصوفة على سواه , مبالغة في الزهد والتقشف، وفي هذا حاكى العرب الرهبان المسيحيين.
وقد انفرد البيروني من بين الكتاب العرب بقوله : إن هناك صلة بين اسم الصوفي والكلمة اليونانية “سوفيا”، وأخذ بهذا الرأي المستشرق النمساوي جوزيف فون هامر الذي يقول إن كلمة صوفي مأخوذة من كلمة “جمنوسوفيست”ومعناها الحكيم العاري، وهو لفظ يوناني أطلقه اليونانيون على بعض حكماء الهنود القدماء الذين اشتهروا بحياة التأمل والعبادة.
وحسب الكاتب ، فإن أول من سمي بالصوفي هو أبو هاشم الكوفي ، أما كلمة الصوفية بالجمع فظهرت حوالي سنة 199 هجرية.
ويعتبر نيكولسون في كتابه أن نشأة التصوف ترجع إلى عوامل خارجة عن الإسلام، عملت عمَلَها ابتداء من القرن الثالث الهجري، وأهم هذه العوامل وأبرزها، هو التأثر بالأفلاطونية الحديثة المتأخرة التي كانت شائعة في مصر والشام.
ويستشهد المؤلف برأي عالم اللاهوت البروتستانتي المؤرخ الألماني فريدريش أوغست الذي ذهب إلى أن التصوف الإسلامي مأخوذ من أصل مجوسي، متحججاً بأن كثيرين من مشايخ الصوفية ظهروا في الشمال من إقليم خراسان.
أما المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون فله رأي آخر، إذ يقول : “التصوف الإسلامي قد أخذ نشأته من صميم الإسلام ذاته”.
وبدوره يشير إسماعيل بنزكرية، وهو مريد الطريقة الكركرية وخطيب جمعة وواعظ بالمجلس العلمي في طنجة، “لا يمكنني القول إن التصوف هندي أو وثني أو مسيحي بقدر ما هو نزعة إنسانية ومشاركة بشرية عبر العصور، لأنه ينتمي لعالم الروح المرتبط بأصل الفطرة والنفحة الروحية التي وضعت في الإنسان”.
يذكر أرنولد نيكولسون أن لكل طريقة صوفية قواعدها الخاصة بها، لكنها جميعا متفقة في بعض تقاليد الأزياء والطقوس والخلوة والحركات البدنية والموسيقى والاعتقاد بالكرامات.
ويرى الكاتب أن احترام المرشد أو شيخ الطريقة من قبل أتباعه يقترب من التقديس.
وقد انتشرت الصوفية بشكل كبير فكانت زهدا دينيا خالصا في بادئ الأمر، ثم دخل عليها بالتدريج بعض العناصر الصوفية حتى تحوّلت في النهاية إلى أقدم صورة نعرفها للتصوف.
ويقول بعض الباحثين إن تراجع النفوذ الصوفي، واختفاء طقوس واحتفالات الصوفية من الميادين العامة، مرتبط بصعود الجماعات السلفية التي لا تزال في صراع دائم مع الطرق الصوفية.