الكارما ..
د.علي أحمد جديد
( الكارما ) مُصطلَح يرجع إلى الديانتَين البوذيّة ، والهندوسيّة في الشرق الأقصى ، ويُقصَد به القوّة التي تَنتُج من تصرُّفات الشخص ، سواء كانت خيراً أو شرّاً ، وتؤثِّر في حياته . كما يُنظَر إليها على أنّها الطريقة التي تتمّ من خلالها مُعاقَبة الفرد أو مُكافَأته على أعماله السيِّئة بمِثلها وأعماله الجيِّدة بمِثلها أيضاً ، ويمكن القول بأنّ تسمية (الكارما) كلمة تعود إلى اللغة السنسكريتيّة ، وتُعتبَر مفهوماً رئيسيّاً ومُهمّاً في الديانات الشرقيّة ، وعلى الرغم من اختلاف خصائصها بين ديانة وأخرى ، إلّا أنّ الفكرة الرئيسيّة منها واحدة . إذ تعود فكرة الكارما إلى قاعدة (السبب والنتيجة) ، بمعنى أنّ كلّ فكرة ، أو كلمة، أو عَمَل ينجزه الفرد يُؤثِّر فيه في وقت غير معروف مُستقبلاً . فإذا كان عَمَله جيِّداً فسيكون تأثيره مُفيداً في المُستقبل ، وإذا كان سيِّئاً ، فإن تأثيره سيكون ضارّاً بقدر الضرر الذي تسببه . بمعنى أنّ العمل غير الأخلاقيّ نتيجته
(كارما سيِّئة) ، والعكس صحيح . كما أن العلاقة بين العمل والعاقبة من أهمّ الأمور التي تأتي بمعنى الكارما . وكذلك فإن (الكارما) تبحث في نوايا الشخص ، وفي الأسباب التي دفعته لهذا العمل ، وذلك في العديد من العبارات الغربيّة الدينيّة ، وغير الدينيّة التي تُعبّر عن معنى (الكارما) نفسه . مثل عبارة العُنف يُولِّد العُنف (بالإنكليزيّة :violence begets violence) ، وعبارة (what goes around comes around) والتي تعني بأنّ الأفعال تدور وتعود على صاحبها .
الكارما في الديانة والفلسفة الهنديّة :
لم تكن الكارما تُمثِّل أيّ بُعْد أخلاقيّ في فترة ما قَبْل الميلاد ، وكانت تُشير فقط إلى الطقوس الهنديّة ، والأُضحيات . وكان أوّل ظهور لمصطلح الكارما في المجال الأخلاقيّ هو في الأبانيشاد (Upanishads) وهو نوع من الفيدا (Vedas) أو الكُتب المُقدَّسة التي تهتمّ بدراسة فلسفة الوجود ، حيث عبَّر اللاهوت (ياجنافالكيا Yajnavalkya) في فترة ما قَبل الميلاد عن المُعتقَدات التي تقول بأنّ الرجل يُصبِح جيِّداً بعمله الجيِّد ، وسيِّئاً بعمله السيِّئ – حسب عقيدة الصادوقية اليهودية – ، ومنذ ذلك الوقت صارت الكارما تُسيطِر على الجانب الأخلاقيّ من خطابات اللاهوت في الديانتَين الهنديّتَين البوذيّة والجاينيّة (Jainism) . وبذلك أصبحت الكارما في الديانة الهنديّة تُمثِّل البُعد الأخلاقيّ للفرد في ما يُطلَق عليه (إعادة الميلاد) ، حيث تَفتَرض نظريّة الخلاص الهنديّة أنّ حياة الفرد المُستقبليّة والتي تُسمَّى (حياة الولادة) تتأثّر بأفعاله خلال حياته الحاليّة ، ولذلك فإنّ الكارما تُعطي الفرد حافزاً كي يعيش حياة أخلاقيّة تعمل على تحسين الحياة المستقبليّة ، بالإضافة إلى تفسير الوجود البشريّ ، وتؤكد الفلسفات الهنديّة إلى أن تأثير الكارما هو شخصيّ بحت ، بمعنى أنّ الشخص بأفعاله لا يمكن أن يكون له التأثير في مُستقبَل شخص آخر مهما كانت درجة القرابة بينهما .
ورغم أنّ الكارما نظريّة خاصّة بالفرد ، إلا أنّ هناك ديانات هنديّة أخرى ترى أنّ الكارما مُشترَكة، وتُؤمِن بما يُسمَّى ب(عقيدة الجدارة) حيث تُظهِر أنّ الفرد يمكن أن يَنقُل أعمالَه الجيِّدة إلى الآخرين ، وأنّ الأعمال التي ينجزها الأشخاص الأحياء تُؤثِّر في الأموات . كما أنه هناك العديد من العبادات والأمور التي يستفيد منها الأموات بعد تأديتها من قِبَل الأحياء ، كأداء (الحجِّ) عنهم مثلاً . وإنّ من يُؤمنون بالكارما يرون أنّها لا تُوجَد عند جميع البَشَر ، ولكنّ تأثيرها قد يكون في المجموعة كَكُلّ ، فمثلاً إذا كان لدى واحدٍ من ركاب الطائرة كارما سيِّئة فإنها ستُؤدِّي إلى تحطُّم الطائرة بكل ركابها ، حتى وإن كان الآخرون ليس لديهم هذه الكارما . وإذا كان بينهم فردٌ يحمل كارما تُعِينه على الحياة ، فقد ينجو هذا الفرد من تحطُّم الطائرة لوحده ، أو قد ينتهي به الأمر إلى عدم الذهاب في الرحلة أصلاً . وعلى كلّ شخص عموماً أن يتحمّلَ نتيجة أفعاله وأخطائه وِفقاً لقانون الطبيعة وأن يحاولَ التخلُّصَ من الكارما ، لأن الأشخاص الذين تَحكُمهم غرائزهم ، ويُعطَوْن الحرّية الكاملة لرغباتهم بعدم اتّباع الأهواء والرغبات السيِّئة ، تُصبح سيطرتهم على الحياة الخارجيّة أفضل وتَقِلُّ الكارما لديهم شيئاً فشيئاً إلى أن تتلاشى في نهاية الأمر .
قانون عمل الكارما :
لكلّ شيء في الحياة قانونه ، والكارما هي قانون العالَم الروحيّ ، إذ أن مبدأ عَمَل الكارما يأتي من خلال القانون الذي يُحمِّل كلَّ فَرد مسؤوليّة أعماله وأقواله ، وحتى النية في تصرُّفاته . وبما أنّ كلَّ فَرد مسؤول ، فإنّ دور الكارما في جَعل الفرد يحصد نتيجة أعماله يشكّل أهميّة كبيرة ويحصدُ نتائج ما قام بفِعله . لأنّ قانون الكارما يُعتبَر سُلطة عُليا تتحكَّمُ في شخصيّة وعَقْل الفَرد ، كما تحدِّد طبيعة الدروس التي يجب أن يتعلَّمها الفَرد من نتائج أعماله وتصرُّفاته ، ولذلك يعتبر الهدف من وجود الكارما أن نتعلَّم ونكتسبَ حياة صحّية ، ونبنيَ علاقاتنا الجيِّدة مع الآخرين .
كما يُعتبَر قانون (السبب والنتيجة) أساس فلسفة الكارما وعملها ، بمعنى أنّ الفرد في كلِّ مرّة يتصرَّف فيها تصرُّفاً مُعيَّناً ، فإنّ ذلك يُنتِجُ قضيّة لها آثارها في المُستقبل ، لأن الأسباب والمقدمات تؤدي إلى النتائج . وعلى المدى البعيد ، يُشكِّل ذلك شخصيّة الفَرد بصِفاتها السلبيّة ، والإيجابيّة ، وبما أنّ كلَّ شخصٍ مسؤول عن تصرُّفاته وأقواله ، فإنّ كلَّ فَرد لديه كارما خاصّة به ، ووِفقاً للفلسفة الهندوسيّة التي تُؤمن بأنّ هناك حياة بعد الموت ، فهي ترى أنّه إذا كانت كارما الشخص جيِّدة ، فإن ولادته بَعد الموت ستكون جيِّدة ، وإذا كانت سيِّئة ، فإنّ حياته بعد الموت لن تكون بالمُستوى الجيِّد الذي يتمناه ، بل إنّه سينال حياة بمستوىً أقلّ مما عاشها ويعيشها ، وبسعادة لا يستطيع الوصول إلى حدودها .