مقالات منوعة

مفهوم المواطنة

مفهوم المواطنة

مفهوم المواطنة
بين الحكومة و بين الوطن ..

د.علي أحمد جديد

“روبـرت فـيـسـك ” هو من أشهر الصحفيين في العالم ، وأحد الذين درسوا طباع العرب جيِّداً ، عايشهم ثلاثين عاماً وكان يسكن في مدينه بيروت .. و كان مراسل “الأندبندنت البريطانية” في الشرق الأوسط و كان من الصحفيين الغربيين القلائل ، ويمكن أن يُعتبر صحفياً مناهضاً للسياسة الأمريكية والبريطانية في الشرق الاوسط بآنٍ واحد .

يقول روبـرت فـيـسـك :
“أتعلمون لماذا بيوت العرب في غاية النَّظافة ، بينما شوارعهم على النَّقيض من ذلك .. السببُ أنَّ العرب يشعرون بأنَّهم يملكون بيوتهم ، لكنهم لا يشعرون أبداً بأنَّهم يملكون أوطانهم” .
فهل تبقى فعلاً شوارعنا متسخة وعفنة .. فقط لأنَّنا نشعر أنَّنا لا نملكُ أوطاننا ..؟!

ولعل ذلك يرجع إلى سببين :

الأوَّل :
أنَّنا نخلطُ بين مفهوم الوطن وبين مفهوم الحكومة ونعتبرهما واحداً ، وهذه مصيبة بحدِّ ذاتها .. لأن الحكومة ليست أكثر من إدارة سياسية لفترة قصيرة من عمر الوطن مهما امتدت وطالت ، ولا حكومة تبقى للأبد .. بينما الوطن هو التاريخ والحضارة والجغرافيا والتراب الذي يضمُّ رُفات الأجداد ، والشجر الذي ارتوى من عرق الآباء .
الوطن هو الفكر والثقافة والهوية ، وهو العادات والتقاليد ..
ولهذا فإن من حقِّ كل إنسان أن يكره الحكومة إذا أراد ، ولكن ليس من حقِّه أن يكره الوطن .. لأن المصيبة الأكبر من الخلط بين الحكومة وبين الوطن هو الاعتقاد بأنَّنا ننتقم من الحكومة إذا أتلفنا الوطن و قمنا بتخريبه ، وكأنَّ الوطن هو ملك للحكومة وليس لنا فيه شيء يربطنا به..
وإذا تساءلنا بيننا وبين أنفسنا :
* – ما علاقة الحكومة بالشارع الذي نمشي فيه أنتَ و أنا ، أو بالجامعة التي يتعلم فيها أبناؤنا ، أوبالمشفى التي نتعالج فيها ؟!!!..
إن الأشياء ليست مُلكَ مَن يديرها وإنَّما هي مُلك مَن يستخدمها .. وهكذا نكون في الحقيقة أننا ننتقمُ من الوطن وليس من الحكومة وبالتالي ننتقم من أنفسنا ، لأن الحكومات يمكن تُعاقبُ بطريقة أمحبّتنا للوطن وتمسكِنا الإنتماء إليه فعلاً ..

الثَّاني :
أنَّ انعدام ثقافة الملكيَّة العامًَّة لدينا تجعلنا نبدو وكأنَّنا نعاني إنفصاماً ما .. فالذي يحافظ على نظافة (المرحاض) في بيته هو نفسه الذي يقوم بتوسيخ المرحاض العام ..
والذي يحافظ على الطاولة في البيت هو نفسه الذي يحفر إسمه على مقعد المدرسة والجامعة ..
والأبُّ الذي يطلب من إبنه أن يحافظ على النِّظام في البيت هو نفسه الذي يرفض أن يقف في الطابور بإنتظار دوره ..
والأُمُّ التي لا ترضى أن تُفوِّت إبنتها محاضرة واحدة في ملكيتها هي نفسها التي تهربُ من الدوام عند أول فرصة تسنح لها .

خلاصة القول :
يجب أن نعي وأن ننشر ثقافة تفيد بأن الحكومة ليست الوطن شئنا هذا أَم أبَينا ، ومهما كانت مشاكلنا مع الحكومة لا يمكن أن يكون حلُّها بتخريب الوطن ..
إنَّ الشعب الذي ينتقم من وطنه لأنَّه يرى بأن حكومته سيئة لا يستحقُّ حكومة أفضل .. والرُقيِّ الحضاري لا يُقاس بنظافة حديقة البيت وإنَّما بنظافة الحديقة العامَّة التي نجلس فيها جميعنا لأنها قطعة من الوطن ..
ولو تأمَّلنا حالنا لوجدنا أنَّنا فعلاً أعداء أنفسنا ، وأنَّه لا أحد يسيء لأوطاننا بالقدر الذي نقوم نحن بالإساءة إليه ..
وصدق القول الذي يقول :
* الإنسان لا يحتاج إلى شوارع نظيفة ليكون محترماً ، ولكن الشوارع تحتاج إلى أُناسٍ محترمين لتكون نظيفة .
والله من وراء القصد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى