هذيان الملحد والمؤمن . . .
قطرالندى عزيز دعدوش
عند كل حقبة زمنية يتجلى لنا عالم فيزياء بنظرية جديدة تهدم ما قبلها ، وكما لو أننا نشهد عرضا مسرحيا يتنقل فيه العلماء بين أدوارهم على خشبة المعرفة ، بدأها عالم الفيزياء الكلاسيكية إسحاق نيوتن بقانون الجاذبية الذي كان آنذاك طفرة علمية عظيمة ، واعتقدنا لفترة من الزمن أن تفاحة واحدة تكفي لفهم الكون !! ، ثم أطل علينا العبقري ألبرت أينشتاين بنسبيته العامة والخاصة ليؤكد أن الزمن والمكان ليسا كما ظن نيوتن و جمهوره العريض ، وأن الضوء يضحك من عبثية الثوابت التي تعشقها عقولنا المحدودة ، بعد ذلك جاء العالم “هايزنبرغ” ليغرقنا في حيرة كبيرة و مبدأه الشهير عن عدم اليقين على المستوى الكمي ، مؤكدا أن الإلكترونات تحتفل بتمردها على اليقين في عالم الفيزياء الكمية ، وبعد هايزنبرغ لم يبخل علينا العالم المقعد “ستيفن هوكينج” بنظرياته عن الثقوب السوداء ليضفي على الكون لمسة من الغموض البديع ، وبينما العلماء يخوضون بحار المجهول و يغرقون في معادلات الكون المعقدة ، مستغرقين في رحلة لا تنتهي نحو المعرفة ، يتقدم إلى المشهد ذلك الملحد العربي الذي يملك سجيلا اسودا في التسرب المدرسي ، ليعلن بثقة عمياء أن الكون عبثي قائم على الصدفة العمياء !!! ، وكأن فهم تعقيدات الكون يتطلب مجرد لسان سليط وأفكار عابرة ، يتجاهل بذلك كل تلك العقول الجبارة والجهود الكبيرة التي نذرت حياتها لسبر أغوار هذا الوجود ، وعلى خشبة أخرى من مسرحيات الهذيان الفكري يقف المؤمن متعاليا و متمسكا بأحكام قطعية لا تعرف قيودا ولا علما ، مستوحاة من بعض الآيات القرآنية التي أدرجت تحت مسمى الاعجاز العلمي ، حيث جعلها كفيلة لفهم نشأته وفك شفرة قوانين هذا الكون المذهل الذي تقاس فيه المسافات بين النجوم والكواكب والمجرات بملايين السنوات الضوئية !!! ، هذا الادعاء لا يقل هذيانا عن الأول ، وكأن الإيمان يمنحنا مفاتيح العلم بغمضة عين .
في هذا الكون الفسيح ، حيث لا توجد حقيقة فيزيائية مطلقة ، نحن مجرد رحالة في بحر من المعرفة لا ساحل له ، تائهين بين نظريات تتغير وتتبدل ، وكلما اعتقدنا أننا اقتربنا من الحقيقة التي من شأنها أن تبوح بها بأسرار هذا الكون العظيم ، وفجأة اكتشفنا أننا ما زلنا في بداية الطريق ، ومن يدعي غير ذلك ، فليذهب إلى أقرب مشفى ، وكما يقال : فإن التواضع هو أول خطوات الحكمة والمعرفة .