مقالات منوعة

متلازمة ستوكهولم

متلازمة ستوكهولم

الدكتور محمد العبادي 

متلازمة ستوكهولم


 دراسة عميقة للعلاقة المعقدة بين الضحية والمُعَتَدي

متلازمة ستوكهولم هي حالة نفسية تحدث عندما يطوّع الضحية نفسها للتعاطف والتمايز مع المُعَتَدي. تم تسمية هذه المتلازمة نسبةً لحادثة وقعت في عام 1973 في مدينة ستوكهولم بالسويد، حيث احتجز مجرم مسلح رهائن في بنك لمدة عدة أيام. وبدلاً من أن يشعروا بالكراهية والغضب تجاه مُعَتَديهم، بدأ الرهائن في تطوير مشاعر إيجابية نحوه، وتعاطفوا معه في محاولة للبقاء على قيد الحياة والحفاظ على سلامتهم.

تفسير هذه الظاهرة يستند إلى عدة عوامل نفسية واجتماعية. أحد هذه العوامل هو الاحتجاز المضطرب، حيث يتعرض الضحية لتهديد مستمر للسلامة الشخصية وقد يواجه الموت. تكون الرهائن في هذه الحالة محاصرين في بيئة غير طبيعية وغير قادرين على التحكم في وضعهم، مما يؤدي إلى الشعور بالضعف والعجز.

تدخل عامل آخر في متلازمة ستوكهولم هو التمايز المشعر بوجود “الخير” في المُعَتَدي أو في الحالة نفسها. عندما يبدأ المُعَتَدي في إظهار بعض اللطف أو الرعاية تجاه الضحية، يمكن أن يثبت هذا في أذهان الضحية أن المُعَتَدي ليس مُجرد شخص سيء بل قد يكون لديه بعض الجوانب الإنسانية الإيجابية. يبدأ الضحية في البحث عن أي علامة على الرعاية أو الاهتمام من المُعَتَدي، ويمكن لهذا البحث أن يؤدي إلى تطوير مشاعر إيجابية تجاهه.

عامل آخر يسهم في حدوث متلازمة ستوكهولم هو الانعكاس النفسي. يعني ذلك أن الضحية تنتقل من حالة الاعتبار المُعَتَدي إلى حالة الانعكاس على الذات. تبدأ الضحية في تشكيل اعتقادات تفسر سلوك المُعَتَدي بأنها نتيجة لمشاكله الشخصية أو الظروف الخارجية التي تجبره على ارتكاب أفعاله. هذا يمكن أن يؤدي إلى تبرير سلوك المُعَتَدي وتقبله من قبل الضحية.

مع ذلك، يجب أن نلاحظ أن متلازمة ستوكهولم ليست شرطًا ضروريًا في حالة كل حادث احتجاز أو اختطاف. ولكنها تعد ظاهرة نفسية مهمة تشير إلى التعاطف المفرط والتمايز المشوّه الذي يمكن أن يحدث في بعض الحالات.

من الجدير بالذكر أن متلازمة ستوكهولم ليست حكرًا على حوادث الاحتجاز فقط، بل يمكن أن تظهر أيضًا في علاقات أخرى مثل العلاقات الزوجية المسيئة أو العلاقات العملية المستبدة. وعلى الرغم من أنها قد تكون ظاهرة نادرة، إلا أن دراسة وفهم هذه العلاقات المعقدة يمكن أن يساهم في تحسين توعية المجتمع ودعم الضحايا.

وهنا يجب أن نتذكر أن متلازمة ستوكهولم ليست خللًا في الضحية، بل هي استجابة نفسية طبيعية لظروف قاسية ومحفوفة بالخطر. يجب أن نعمل على توعية المجتمع وتقديم الدعم اللازم للضحايا لمساعدتهم في التعافي والتغلب على تأثيرات هذه الحالة النفسية المعقدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى