
جريمة الاتجار بالبشر
يقول الله تعالى في كتابه العزيز : وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً . الإسراء: 7 .
ولذلك كان الإنسان وما زال هو جوهر الحياة وعماد قوامها ولا يجوز في ديننا الحنيف مس كرامته أو إهانته أو حتى الاعتداء على خصوصيته ، فكيف بأناس من بني جنسنا البشري تسوغ لهم أنفسهم أن يجعلوا من الإنسان واعضاءه سلعة تباع وتشترى ،
إن جريمة الاتجار بالبشر تعد من أخطر الجرائم على مرِّ التاريخ والتي تشهد تطوراً وتزايداً مخيفاً في العالم، ولهذا كانت هذه محاولة بسيطة منا لتسليط الضوء عليها ، وذلك من خلال تحديد ماهية الجريمة وإبراز مفهوم جريمة الاتجار بالبشر وخصائصها ، ومحاولة معرفة صورها وأركانها، بالإضافة إلى سبل مكافحة جرائم الإتجار بالبشر على المستوى الدولي والجهود المبذولة من الجهات الحكومية و الدولية لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر.
حظيت مكافحة جريمة الاتجار بالبشر باهتمام جميع البلدان. حيث تعتبره العديد من المنظمات الدولية والإقليمية جريمة خطيرة تعبّر عن صورة الرق التي تم إنشاؤها حديثاً ، وهي نسخة متطورة من عمليات اضطهاد لأصحاب البشرة السمراء . إن ماتقوم به الجماعات الإجرامية التي تتبنى أسلوب استغلال البشر ، وخاصة النساء والأطفال ، في الدعارة القسرية أو العمل القسري ، أو نزع أعضائهم وبيعها لمن هم قادرون على دفع الكثير من المال ، يجب إيقافهم عند حدهم وإنزال أشد العقوبات بهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم .
اهتمت المنظمات الدولية والإقليمية ، ولا سيما الأمم المتحدة ، بدعوة المجتمع الدولي إلى مكافحة هذه الجريمة من خلال وضع بروتوكول منع الاتجار بالأشخاص والمعاقبة عليه في عام 2000 (بروتوكول باليرمو) ، وهو اتفاق بروتوكولي مكمل للأمم المتحدة لمنع ومكافحة الجريمة المنظمة عبر القوانين الوطنية ، فضلاً عن اتجاه غالبية التشريعات المقارنة إلى إصدار تشريعات خاصة لتجريم الاتجار بالبشر ؛ ومن بينها القوانين العربية .
وبما أن جريمة الاتجار بالبشر من الجرائم المتعلقة بالانسانية وهي قديمة ترجع في جذورها إلى عصور العبودية والرق التي جعلت الإنسان سلعة يجري تداولها والمساومة على أثمانها في صورة تعبر عن أسوء ما يمكن أن تتعرض له الذات الإنسانية من مهانة، وهذه الجريمة تصنف ضمن الجرائم المنظمة والعابرة للحدود، وكذلك فهي من الجرائم متعددة الصور، ورغم أن هناك من يعتقد بأن مسألة استعباد الناس قد أصبحت في ذمة الماضي قياساً لما يتردد على مسامع الناس من شعارات تتغنى بحقوق الإنسان ، وادعاءات السهر على حمايتها مع كثرة المواثيق التي تعنى ظاهراً بحقوق الإنسان وتحظر كل إشكال المعاملة المهينة للذات الإنسانية والمتاجرة بها، إلا أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أنه لازال سلوك الاتجار بالبشر وبصور مستحدثة ماثلاً للعيان ليشكل ضاغطاً إنسانياً باتجاه تبني مواجهة قانونية ضده.
إن ما يتعلق بمحتوى هذه الجريمة وما تنطوي عليه من خطورة تهدد السلم المجتمعي العالمي دفع الجميع بإتجاه التصدي لها دولياً عبر مجهود اتسم بالعالمية ، والوصول الى مواجهة فاعلة لهذه الجريمة التي تطال الذات الإنسانية المكرمة فتمتهنها.
إن تعاطي الدول مع هذا الالتزام، منطلقاً من فرضية مفادها الاهتمام الدولي المشترك بهذا الموضوع قد دفع الدول لمواءمة النظريات بين تشريعاتها الداخلية والتزاماتها الدولية بصدده.
وكل هذا لم يحد من هذه الظاهرة البشعة ، فلا بد مراقبة حقيقية على تطبيق القوانين .
وجريمة الاتجار بالأعضاء البشرية تتمثل آثارها السلبية في اللجوء أحيانا للقتل العمد للحصول علي الأعضاء البشرية لتزويد المرضى القادرين مادياً بالأعضاء اللازمة لشفائهم، کما أن هذه الجريمة جعلت من أعضاء الإنسان سلعة تباع وتشترى لمن يدفع أکثر، ناهيك عن الآثار السلبية للعمل القسري واستغلال الأطفال وما ينتج عنه من أمراض وأحيانا الوفاة .
ولذلك نرفع صوتنا ونضمه إلى أصوات المحبين للإنسانية والسلام أوقفوا هذه الجريمة فالإنسان أولاً وأخيراً .
الدكتور محمد العبادي