المهن التراثية والتقليدية في العراق وايامها الأخيرة
المهن التراثية والتقليدية في العراق وايامها الأخيرة
((المهن التراثية والتقليدية في العراق وايامها الأخيرة))
تعيش الكثير من المهن التقليدية في العراق أيامها الأخيرة، بعدما داستها عجلات التطور، وتقدمت الحياة الحضرية وغزا المنتج المستورد أسواقنا، لتتحول أنظار المواطنين نحو ما هو ارخص ثمن وأقل جوده تماشياً مع الحياة المتسارعة .فجيل اليوم قد لا يعرف ولا يتذكر الكثير من المهن، فيما جيل القرن الماضي ما زالوا يعيشون ذكريات المهن الجميلة ويحنون لأيامها الخوالي، وفي هذا الاستطلاع نحاول ان نقرب صورة بعض هذه المهن ونتحاور مع من تبقى من أصحابها ونتعرف على أسباب انحسارها .فضيوف استطلاعنا وجوههم مختلفة لأنهم لا يتشابهون، وهذا أمر عادي لأن لا أحد في هذا العالم يشبه الآخر، حتى التوأم، لكن ما يجمع بين “أبو احمد”، الصفار و”سامي الاحدب”، النداف و” جاسم شيبه على ” الرواف، احترافهم مهن انتهى عمرها الافتراضي، وصارت جزءا من الماضي، وأصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع، والرابط الوحيد بينهم هو أنهم يحبون ما يقومون به، ولا يعرفون القيام بعمل آخر غير الذي يحترفونه، ورغم كل هذه الظروف ليسوا على استعداد أبدا لترك هذه المهن، و من هنا يبدؤون جميعا الحديث عن مهنهم التي ستنقرض بعد حين.
صوت “الصفار” انخفض بدايتنا كانت مع “ابواحمد الصفار” الذي ما ان اقتربنا من محلة الواقع في احد الأسواق القديمة حتى بدأنا بسماع «طططق..ططق..طق»، صوت طرقات أدواته وهي ترسم باستحياء زخارف ونقوشات على النحاس وتعيد جمال السنوات الجميلة بما تمثله من بساطة الحياة التي اختفت وضاعة في زحمة التقدم.يقول “ابو احمد” مهنة الصفار واحد من اقدم المهن في العراق حيث امتهنها وعمل بها الناس منذ قرون وكانت من افضل واهم الصناعات في ذلك الوقت التي توفر للناس مستلزمات الطبخ والبيت والجمال الذي يزينون به بيوتهم وقصور أمراء البلاد.
الندافة في طريق الاندثار الندافة مهنة الاجداد او مهنة الفقراء كما يسميها البعض بدأت تنحسر وتختفي ويهجرها أصحابها لحساب المنتج الاجنبي الذي زاد جمهوره وبدأ يستهوي الكثيرين في هذه الأيام .وعلى الرغم من ان هذه المهنة تعتبر من التراث العراقي القديم لكنها بدأت تفقد بريقها وتنحسر محلاتها وتحول العديد من صناعها الى عاطلين يعتاشون على بعض الاعمال البسيطة التي ترد اليهم من هنا وهناك .وللتعرف اكثر على سبب تراجع اقبال الناس عليها كانت لنا وقفة مع ” سامي الاحدب ” صاحب محل ندافة والذي قال:- مازالت الايادي تطرز وتتفنن في صنع الافرشة برغم كل التحديات ومصاعب الزمان والتطور الذي شهدته هذه المهنة ويرى ” سامي الاحدب ” أن بعض العوائل المتمسكة بالعادات والتقاليد هم من يقتنون الافرشة، ويحرصون على تجهيز العرسان والبيت الجديد بالمفروشات التي تصنع بيد عراقية يتفاخرون بها ويعتبروها جزء من مستلزمات بيوتهم وجمالها .واضاف ان المهنة أخذت بالانحسار بسبب وجود بضاعة اجنبية لكن بعض المواطنين عادوا من جديد الينا بعد ان اثبتت البضاعة الاجنبية سوءها وعدم جودتها .وتابع لا يخلوا بيت من البيوت العراقية من فراش الندافة بكل أشكاله ويدرك الجميع ان اللحاف والمندر والوسادة هي من المقتنيات الواجبة عند ربة البيت، وكنا في السابق ننجز مواعيدنا بالاشهر من شدة الزحام واقبال الناس علينا فيما اليوم قد ننجز عمل واحد كل اسبوع او اسبوعين وهو امر لا يسد متطلبات الحياة والمعيشة لنا.وأختتم ” سامي الاحدب ” حديثه بتفكيره الجدي بترك المهنة والبحث على مهنة تدر له ربح جيد بعد ان تركها إخوته وأبناءه، معرباً عن خشيته بان تلفظ هذه المهنة أنفاسها الأخيرة لعدم الاهتمام بها من قبل اصحاب الشأن والاستفادة من تجارب دول شعرة باندثار مهن تراثية فقامت بتخصيص رواتب شهرية لاصحابة من اجل البقاء في مهنته وعدم نسيانها من الاجيال الحالية .
أين أصبح الرواف ؟مهنة “الرواف” ولمن لا يعرفها فهي مهنة خياطة الملابس الممزقة او المتهرئة، اصبح عدد العاملين فيها بالعراق لا يتجاوزون عدد الأصابع ونحن نبحث في هذا الاستطلاع عن اصحاب مهن تراثية في طريقها للاندثار قادتنا الصدفة للقاء بالحاج ” جاسم شيبه ” صاحب محل الرواف للملابس والعباءة الرجالية الذي قال :- لقد قل الطلب على مهنتنا مقارنة بالأعوام الماضية، لكن عملي ما زال مطلوبا لدى الكثيرين حتى أن بعض الزبائن يقصدونني ، ويضيف حتى لو قل الطلب بسبب انخفاض أسعار البضائع المستوردة، فالطلب على ريافة العباءات الرجالية ما زال متواصلا بسبب ارتفاع أسعار هذه الأنواع من العباءات. لكن بشكل عام أجد أن مهنتنا في طريقها إلى الزوال.
ثامر حميد