الدكتور محمد العبادي
فلسفة العدالة
العدالة بمعناها الواسع هي فكرة أخلاقية ، في حين أن مفهوم العدالة الاجتماعية ينتمي إلى الفلسفة السياسية. بشكل عام ، هذه الفكرة التي نوقشت على نطاق واسع ، هي مفهوم نظري يجب تنفيذه في العالم الحقيقي. علاوة على ذلك ، يمكن وصفها بأنها طوباوية ، لأن الهدف الرئيسي لكل رؤية تقريبًا لمجتمع مثالي هو تحقيق مجتمع عادل. من أفلاطون إلى جون راولز – كان الفلاسفة يحاولون تعديل أفكارهم المنطقية عن العدالة من أجل بدء تغييرات وتحولات اجتماعية في المجتمعات التي يجدون أنفسهم فيها. ومع ذلك ، فإن وجهة نظر “أمارتياسين” المعروضة في كتابه الأخير مختلفة. يجادل بأن الناس العاديين لا يمتلكون فكرة مجردة عن العدالة ، لكنهم يدركون الظلم الاجتماعي والسياسي وعدم المساواة الاقتصادية داخل مجتمعاتهم. هكذا،
عدم المساواة هي السبب الأكثر شيوعًا للصراعات الاجتماعية في أي مجتمع. تم بحث هذه المشكلة بدقة في الفلسفة السياسية الليبرالية .
ما العدالة؟”، بمثل هذه الصيغة من السؤال أو التساؤل، الذي يسعى إلى تحديد معنى المفاهيم وماهية الأشياء، بدأ الفكر الفلسفي المنهجي والمدون رحلته.
وللإجابة عن هذا السؤال تحديداً، خصّص “أفلاطون” وهو أوّل فيلسوفٍ وصلتنا مؤلّفاته ، فإن أحد أوّل وأهمّ كتبه في الفلسفة عمومًا، وفي الفلسفة السياسية خصوصًا. واستمر انشغال الفلسفة السياسية والأخلاقية بهذا السؤال منذ” جمهورية” أفلاطون حتى” فكرة” العدالة (2009)” لأمارتيا صن”، على سبيل المثال. وهذا لا يعني أنّ اهتمام الفلسفة بمسألة العدالة كان كبيرًا دائمًا. فقد تمَّ اختزال العدالة أحيانًا إلى مجرد الوفاء بالوعد أو العهد أو حماية الملكية الخاصة. لكن إذا كان هذا الانشغال قد خفَّت شدته أحيانًا، فيمكن القول إنّه قد وصل إلى ذروته في العقود الأربعة الاخيرة، حيث تنحصر الفلسفة العملية كما يشير “هابرماس” في مسائل العدالة. ويمثل كتاب “جون رولز” نظرية في العدالة (1971) منعطفاً مهماّ وحاسماً، في تناول الفلسفة السياسية لهذا الموضوع، بحيث يمكن تحقيق وتصنيف الأعمال التي تناولت موضوع نظريات العدالة في الفلسفة المعاصرة ، وفقاً لتاريخ صدورها قبل أو بعد صدور كتاب “رولز “وتبعاً لموقفها من نظرية رولز. والحديث عن العدالة من حيث هي اعتراف جاء بعد حديث رولز عن العدالة بوصفها انصافا.. وأوليّةٍ توضِّح، من جهةٍ أولى، ارتباط مفهوم العدالة ببعض المفاهيم، مثل المساواة والجدارة والحاجة والحرّيّة… إلخ، وتُبيِّن، من جهةٍ ثانيةٍ، بعض الدلالات الأوليّة اللغويّة والاصطلاحيّة لمفهوم الاعتراف. وسنختم بتساؤلٍ عن مدى معقوليّة تناول العدالة، من منظور فلسفة الاعتراف، وبتحديدٍ أوليٍّ للعناوين العامة التي يُفترض بمثل هذا التناول” المنشود” أن يبحثها.