الدكتور محمد العبادي
العدالة والمساواة والقانون
إن تحقيق العدالة و المساواة من خلال السياسة. كان له تأثير عميق على الاعتبارات النظرية لسياسات الدول . حيث تبدأ العملية برسم خرائط لمختلف فروع المساواة وطرق العدالة الاجتماعية التي تضع جميعها المساواة كهدف سياسي أول . في محاولة لإثبات المساواة من خلال الرابطة الديمقراطية الليبرالية ،من خلال أراء السياسيين، وحقيقةّ غالباً ما يبني هؤلاء السياسيون والمفكرون نماذجهم الخاصة بالمساواة جنباً إلى جنب مع القيم الليبرالية مثل الحرية الفردية والاستقلالية وحقوق الإنسان والتبادل المعرفي. هذه المقاربات تقتصر على التوفيق بين الطموحات المرجوة للوصول إلى المساواة مع الميول غير المتكافئة لبعض السياسيين ، وتقليل دور المساواة إلى مسألة عدم المساواة في العملية السياسية. في حين أن الموضوعات “النيوليبرالية” المعاصرة تجسد الرأي الكامل والتحيز التام للمثال الليبرالي للحكم الذاتي ، ومن ثم يحرم إمكاناته المتساوية في سلوكيات غير متجانسة تماماّ ، حيث يوفر “جاك رانسيير وآلان باديو” مخرجاّ من مأزق المساواة الليبرالية . كما يفعلون ذلك من خلال إعادة تصور المساواة كنقطة انطلاق وليس هدفاً للسياسة. في هذا الإطار ، تصبح سياسة المساواة مشروعاً تحررياّ بالكامل يعتمد على جهد ما لتحقيقه. على الرغم من أن المساواة عند “رانسيير” لا حدود لها ، إلا أن اطروحته عن الخضوع في نظام الحكم مقيدة سياسياّ. بالمقابل ، يقدم “باديو” وصفاّ منهجياّ لعملية العدل والمساواة على أن تصبح مفاهيم العدالة قاعدةّ متجذرةّ في مفاهيمه الخاصة ، و الحقيقة أن التركيز كان بشكل خاص على نقد سياسات العدالة المساواة التي نادى بها “باديو” ، الذي أكد على أن تصور الإخلاص السياسي كإجراء شخصي وموضوعي ضروري في شخصية السياسي .
إن موضوع الإخلاص السياسي هو الدستور الفعلي للجماعة. إلى الحد الذي تلعب فيه الموضوعات والحقائق النظرية دوراً حاسماً في سن سياسات تتبنى العدالة والمساواة على أسس قانونية.
إن الحرية والمساواة والكرامة قيم تعمل بمثابة اللبنات الأساسية لنظرية العدالة. عبر التاريخ القديم والحديث ، تقاطعت هذه القيم وتفاعلت مع بعضها البعض إثر الاحداث التي عصفت بالعالم .
حيث بدأ الوعي بهذه القيم الأساسية يترسخ في العالم العربي ، لا سيما بين الفصائل السياسية في أعقاب ما مرت به العديد من الدول العربية من أحداث دامية . والتي كانت قادرة على تنظير أبعادها الفكرية والسياسية المعقدة أو إحداث توطين معرفي لهذه القيم في بلدانهم بسبب غياب المقاربات المعيارية التي تربط الحركات الاجتماعية والسياسية المستمرة بـالأولويات الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية. يمكن تحقيق ذلك من خلال المقاربات المعيارية التي تنتقد القشرة الرقيقة للصراعات الكلاسيكية الجديدة ، والتي هي الأساس الذي تقوم عليه السياسات الليبرالية الجديدة ، يجب أن تتساءل هذه المقاربات أيضًا عن طبيعة البعد الاجتماعي والديمقراطي للاقتصاد ، خاصة فيما يتعلق بنظرية “رولز” العدل والإنصاف والتي بها بأن نظرية العدالة في النموذج الليبرالي المستدام تتضمن شكلاً جوهريًا من الحرية ، بما في ذلك الحريات الفردية التي تضمن تكافؤ الفرص كعنصر أساسي في المساواة الاجتماعية. والتي يمكن أن يؤدي هذا إلى التوافق بين الحرية الاقتصادية والمساواة الاجتماعية من خلال رؤية سياسية واقتصادية واضحة المعالم.
ولذلك لا بد أن تشهد البلدان العربية ديناميكيات ناشطة في مجال الإصلاح والتحول الديمقراطي، وباتت الشعوب العربية تتطلع إلى بناء الدولة المدنية الحديثة، وإرساء حكم القانون الذي يستمد سلطته من الشعب الذي هو مصدر السلطات، هذه الشعوب التي تنظر إلى الديمقراطية من حيث انها هدف ووسيلة، وفي الوقت نفسه من أجل التخلص من الظلم السياسي والقهر الاجتماعي والتخلف والفتن الداخلية ولتنال حرياتها الأساسية وتحظى بالحرية والعدالة والمساواة.