ماذا تعرف عن : الحقد والغيرة والحسد؟!!
د. عبد العزيز يوسف آغا.
///////////////////////////////
إن أول ذنب ارتكبه الإنسان على وجه الأرض كان دافعه الحقد، حيث قتل قابيل هابيل في أول جريمة كانت بين الإخوة. والأخوة هي ذاك الرابط المقدس الذي يصل روحين أو أكثر ببعضهما البعض، وهذا يعني أن كل شيء ممكن الحدوث، فلا تستبعد غدر أحدهم، ولا تأمن مكره.
الجريمة هي نتيجة الحقد الذي استقر في قلب قابيل، والحقد شعور مخيف للغاية، يقوم بتغذية الإنسان، يملؤه كله، ولكنه كالنار كلما أحرقت شيئا ازدادت ضراوة واشتعالا، لا تشبع أبدا من نفسها، ولكنها لا تُخمد إلا بعد أن تخور قواها وتنفد، أو يطفئها أحد من الخارج.
وإن لم يتم تهدئة الغضب يتحول إلى حقد دائم. وهو من أكثر الشرور الظاهرة أو الباطنة، ودائما ما أقلقني الحقد الذي في قلب الإنسان.
بينما تتشكل الكائنات في كل لحظة، وبينما تتغير الأحوال لحظة بلحظة، ينشغل الحقد بإشعال النيران التي لا تتوقف أبدا.
أين بدأ أول حقد وأين نبتت أول بذور له؟
بدأ الحقد في السماء الدنيا بتمرد إبليس وكِبَره، ذلك الكبر أمام آدم عليه السلام، وقد تحول هذا الشعور إلى حسرة، والشيطان قد أقسم أن يجعل آدم يحيد عن طريقه، طريق الحق والإيمان.
حقد الشيطان لا ينتهي ولا ينفد، فقد استمر بكبره وجبروته منذ زمن آدم وصولا إلى سلالته كلها، ورغم معرفته بحقيقة أمر الله عز وجل الذي أمر الملائكة بالسجود لآدم، فإنه رفض الانصياع بسبب سوء فهمه وكبر نفسه، فقد ظن أن عنصر المخلوقية -أي أصل كل مخلوق سواء أكان من نور أو طين أو نار- هو الذي يعطي التمايز والأفضلية. ومن كبره أيضا أنه غفل عن علم الله الواسع، وقدرته وحكمته، فقد أطاعت الملائكة من دون سؤال لأن الكبر لم يغيّب عقولهم، ثم يأتيه العقاب الإلهي بالطرد من الجنة واللعنة إلى يوم القيامة في قوله سبحانه “قَال فاخرج منها فإنّك رجيمٌ وإنّ عليكَ اللعنة إلى يوم الدين”، وفي هذه الآية يظهر أن الحقد مستمر طالما بقي الحاقد على قيد الحياة “قال ربِّ فَأَنْظرْني إلى يوم يُبعثون قال فإنّكَ من الْمُنْظرِين إلى يوم الوقت المعلوم”. وكذلك يظهر في جشع إبليس بوعده بإغواء ذرية آدم كلهم من وُلد ومن لم يولد بعد. إذاً فكل مغامرات هذه الدنيا بدأت بالحقد ولا تزال مستمرة معه.
هناك شيء لا يستطيع الحقود رؤيته، وهو أن الحقد يقتله وينهيه، فالحقد حين يستقر في القلب لا يترك فيه مكانا لأي شعور جميل، فكما تأكل النار الحطب يأكل الحقد صاحبه.
إذاً فالحسد والحقد والغيرة؛ أمور متعلقة ببعضها البعض، لتتشكل وتتحجر من أجل الحقد، فالحسد هو الشعور الذي يظهر عند رؤيتك لشيء ليس لك، أو عندما يحل بك شيء ما (مشكلة، أو مصيبة)، فتوجه الغضب والمسؤولية للآخرين، وأما الحقد فيتم توجيهه بشعور الظلم هذا.
والإنسان كائن معقد جدا، وهناك طائفة من البشر تعادي الفضيلة والخير بوضوح تام، ولطالما فكرتُ بالكيفية التي يفكر بها هؤلاء؛ فأدركتُ أن الحسد مقابل الحقد. إن كل إنسان يحمل نواتها في فطرته، فمثلا؛ عدم الرضا عن حياتك والحسرات على ما فاتتك من أمور لم تُكتب لك من البداية، أو أمور ضيعتها أنت بنفسك، وعدم الامتنان والرضا بالحق والحال والنصيب؛ هي بذور الحسد في الأساس.
هذه النواة أصل كل شيء، وإنها تحول الحقد إلى شر، وهي المرحلة الثانية حيث كل شيء يبدأ بالسؤال، فيسأل الحاسد “لماذا لديه وليس لدي؟ أو طالما أنه ليس لدي أو ليس لي، فلا يجب أن يكون له”، إنه لا يستطيع تحمل رؤية النعمة على أحد.
ولله در من قال:
لله در الحسد ما أعدله
بدأ بصاحبه فقتله
النار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله
على طريق النور نسير،،،،
وعلى المحبة نلتقي،،،،