أيها (الماغوط) العظيم
أنا لن أخونَ وطني ..
د.علي أحمد جديد
أدهشني حتى الذهول ما كتبه الشاعر السوري الكبير (محمد الماغوط) بحروفه المُذهّبَة من كتابه (سأخون وطني) وكأنه يرى خطوط مستقبل الوطن ترتسم على جدار فنجان قهوته ويقرأها ببصيرة نافذة حيث يقول :
* من الغباء أن أدافع عن وطن لا أملك فيه بيتاً ..
ومن الغباء أن أُضحّي بنفسي ليعيش أطفالي من بعدي مشردين ..
ومن العار أن أترك زوجتي فريسة للكلاب من بعدي ..
الوطن حيث تتوفر مقومات الحياة لا مسببات الموت !!..
والانتماء كذبة إخترعها الساسة لنموت من أجلهم ..
* لا أؤمن بالموت من أجل الوطن .. الوطن لا يخسر أبداً ..
نحن الخاسرون ..
* عندما يُبتلى الوطن بالحرب ، ينادون الفقراء ليدافعوا عنه !!.. وعندما تنتهي الحرب ينادون المسؤولين ليتقاسموا الغنائم !!.
وفي التعليق على ماكتبه الشاعر والأديب (الماغوط) السوري العظيم في استقراء المستقبل أقول بدوري :
إنْ صَدَقتَ بكل ما قصدتَه فيما كتبتَ وقلت ، فهو كلام …
كلام متفجِّر في صَدرِ سوريٍّ صادقٍ ومخلص ومشحون بالغَيْرة على الوطن ، وطافحٍ بالقهر وبالألم والغضب !!..
ولكن يبقى بيننا للوطن كلاماً آخر .. ورغم أن كل ماقلتَهُ صار واقعاً نعيشُهُ ونعانيه ، إلا أننا مازلنا نضحي وسنظل ندافع عن الوطن لأننا نؤمن أنه وطننا ، نضحي من أجله في زمنٍ لم نعد نملك منزلاً فيه ، ولا كوخاً ، ولا قوتَ يومنا حتى !!..
فهل نحن أغبياء اليوم كما قلتَ ، وكما رأيتَنا وترانا فيما كتبت !!..
أيها السوري العظيم ، بالتأكيد أنه ليس من الغباء أن نعشق الوطن ، لأن عشقنا للوطن هو إيمان ، وعبادة .. وصلاة ..
نعيش ، ونعلم أننا لانملك ما يمكن أن نُحسَدَ عليه اليوم في هذا الوطن ..
نرى من المُشرَّدين أطفالاً وشيباً جياعاً ، وشباناً باتوا يَسرقون ليأكلوا لقمتهم ، ونساءً تَبِيع أجسادها على زوايا الطرقات لتأمين قوتهن وحليب أطفالهن ..
وما ذلك إلا لأن القائمين على كراسي المسؤولية قد جَفّفوا لهن الحليب في أثدائهن !!..
آهٍ أيها الماغوط العظيم .. لو ترى كيف باتت تأكل حرائر الوطن بأثدائها بعد أن ضَيَّقوا عليهن سُبُلَ الكرامة والإباء !!..
وصِرن تُقارِعْنَ غدرَ الزمان بكلابه التي حوّلت وفاءَ الكلاب إلى استذئابٍ وتَوَحشٍ ماعرفته الغابات من قبل ..
أيها الماغوط السوري العظيم ..
نحن في وطنٍ يقتلون لنا فيه كل مسببات الحياة ..
وتَحوَّلنا إلى عبيدِ بطاقةٍ (ذكية) نستجدي بها خبزنا وزيتنا وقوت يومنا ، كما المتسوّلة التي تحمل بين يديها طفلاً مُشوَّها وتسألُ به عطاءات الناس ..
قدّمنا للوطن من قوافل الشهداء والجرحى ومن الآلام والفواجع زينةَ شبابنا وأبنائنا ، ووَفّرَ لنا المسؤولون كل مسببات الموت انتحاراً أو انفجاراً أو غرقاً في البحث عن خلاصٍ غير موجود !!..
ولكن .. سيبقى هذا الوطن حقيقة راسخةً في وجداننا .. ونبضاً دائماً لقلوبنا أيها الماغوط العظيم ..
فما كان الوطن يوماً كذبةً ولا كان سراباً ..
الوطن وطننا وإليه انتماؤنا ، مهما حاولت رموزُ العهرِ أن تسلبَنا رسوخَ الانتماء ..
نحن ننتمي دون تظاهرٍ ودون شعاراتٍ ولا نفاق ..
صحيح أنهم أوصلونا لأنْ يموتَ أبناءُ الوطن ويستشهدون دفاعاً عن أرضه ، وباتوا يتحكّمون بكل مفاصل الوطن تحت شعاراتهم الزائفة والكاذبة ..
نعم ، نحن نموت ، وهم يبقون أحياء ويُكدِّسون أرصدةً من ثروات الوطن ومن لقمة فقراء شعبه ..
نعم ، إنهم يسرقون الوطن وأموالَه ، ويستبيحونَ دماءَ شعبه وثرواته !!..
الوطن السوري أيها الماغوط يُفتدى عند المَلَمّات بأحراره وبأهله الذين يؤمنون صدقاً بمعنى الانتماء وبحقيقة الهوية ، وليس بالارتزاق ، ولاببيع المواقف ، ولابالتخلي عنه أو بتهريب الأبناء إلى الخارج بعد تحميلهم ما تمَّ نهبه وسرقته عنوة وقسراً أو في غفلة من الزمان !!..
الوطن السوري أيها الماغوط العظيم باقٍ .. وسيبقى لأنه ثابتٌ في القلب وفي الوجدان وليس كلمةً للمزاودة ، ولا وسيلةً للامتطاء ..
الوطن لا يخسر حتماً ، لكنهم يعملونَ كل شيء كي يخسرَ اليوم كلَّ ماضيه العتيد وحضارته التي ماعرفت إلا العطاء ، وكي يبقى ويدفع في الحاضر وفي المستقبل من أبناء شعبه ، وكل ما يملك من الحضارة والتاريخ والثروات ..
قد يكون الخاسرُ الأكبرُ اليوم هو نحن الشعب ..
لكنها حالةٌ طارئةٌ ولاتدوم ، لأن الوطن في كل مكان ..
في القلب وفي الوجدان ..
نحن الباقون مهما أظهرونا مهزومين أمام واقعٍ يفرضون علينا أن نعيش قساوته ..
وهم زائلون لأنهم الطارئون ..
عذراً ، أيها الماغوط العظيم ..
نحن للوطن ..
أبناؤنا للوطن ..
ودماؤنا للوطن ..
ولن نتخلى عن الوطن ليعيثوا فيه فساداً ونهباً وخيانة ..
لن نخونَ الوطن ولن نلفظَه ، لأنه وطنُنا الزاهي منذ فجر التاريخ .. ونحنُ هو الوطن الذي علَّمَ العالمَ :
كيف يقرأ ..
وكيف يُغنّي ..
وكيف يُلَوّن ..
لن نبقى أيها الماغوط العظيم في الوطن صامتين ..
صوتُنا وصراخُنا سيكون الوطن ، وللوطن ..
ثِقْ أيها الماغوط العظيم ، وأنت ابن هذا الوطن ، بأن الوطنَ سيصحو وسينتفضُ ..
قريباً وأقرب من الأمل إلى القلب ..
لأنهم ورغم قسوة سطوتهم يخافون من الشعب تماماً كما يخاف اللص السارق من أهل البيت الذي يسرقه وينهبه ..
سيكون الوطن مخالفاً لكل استقراءاتك التي كانت ..
لأنك سوريٌّ في جيناتك ..
وسوري في تكوينك ..
وسوري في وجدانك ..
ولأنك تعرف أن السوري عصيٌّ على القهر ..
والسوري أبداً لاينحني ولايلين ..
ولن ينحني .. ولن يلين .