مقالات منوعة

قراءة في رواية موبي ديك Moby dick

قراءة في رواية موبي ديك Moby dick

تابع .. قراءة في رواية (موبي ديك Moby dick) 

ويموت (ريتشارد بترسون) على قارب (أوين تشيس) ويتم دفنه برميه إلى البحر كما فعلوا مع (جوي) . كما يموت (أيسك) على قارب (تشيس) أيضاً . وبسبب الجوع الشديد الذي أصابهم يقرر رفاقه أن يلتهموه ، فيقومون بتقطيع جثته وشرب دمه و أكل لحمه ، ليستمروا في نهش ما تبقى من جثته حتى لا يبقى منها شيء صالح للأكل ، وبسبب ذلك ينشب بينهم الصراع من أجل البقاء ، وكل واحد منهم يريد أن يفترس صاحبه !! وبعد انقضاء ثلاثة أيام من نفاذ الطعام يتم إنقاذهم بواسطة سفينة بريطانية صادفت وجودهم هائمين في البحر بقاربهم المهترئ وتنقل الناجين الثلاثة إلى مدينتهم .

 

رواية موبي ديك الخالدة و القصة الحقيقية وراءها

الناجون توزعوا على ثلاث قوارب متهالكة وضائعة وسط المحيط الشاسع

أما بالنسبة لقارب بولارد فقد كان مصيرهم مروع و كارثي ، ففي تاريخ 20 يناير نفذ منهم ما بقي من طعام و مات بنفس اليوم احد البحارة و يدعى لوسن توماس ، و أصبح وجبه شهية لرفاقه الذين كاد الجوع أن يفتك بهم ، وفي كانون الثاني/يناير يموت (تشارلز شوتر) ويصبح هو الأخر فريسة سهلة لرفاقه الجياع الذين ينهشون لحمه ، و تلاه (ايزى شيبارد) الذي يموت بعده و يلحقه (سامويل ريد) في اليوم التالي ليكونوا وليمة دسمة لمن بقي حيّاً من رفاقهم الذين استمتعوا بشرب دمائهم و بأكل لحومهم . و في صبيحة اليوم التالي يتفاجأ البحارة أن مركب (هندريك) قد اختفى ، ولا يعلم أحد ما هو سبب اختفائه ؟ فهو إما أن تكون الأمواج قد جرفته بعيداً وإما أن (هندريك) قد قرّر و رفاقه أن يبحروا بشكل منفصل أملاً بأن يجدوا سفينة تنقذهم .

ولاحقاً يتم العثور على ثلاث هياكل عظمية في جزيرة دوسي ، يعتقد أنها تعود لهندريك و رفاقه ، أما الوضع في قارب القبطان (بولارد) فكان مأساوياً للغاية بعد أن نفذ منهم الطعام حتى كادوا أن يهلكوا من شده الجوع و العطش ، لهذا اتفق الرجال الأربعة على عمل قرعة ،ومن يقع عليه الاختيار يتم قتله و التهام لحمه ، و عندما يسحب المقترعون القشة ، جاءت القشة القصيرة من نصيب الشاب (أوين كوفين) ذي _ 17 عاماً من عمره ليعترض القبطان (بولارد) ويحاول أن يعيد القرعة من جديد كون الفتى هو ابن عمه و قد وعد أمه بالمحافظة عليه ، و لكن الشاب (أوين) كان شجاعاً و رفض أن تعاد القرعة و قَبِلَ بمصيره و قال :

– هذا حظي السيئ ، فماذا أفعل ؟.

ويتم عمل قرعة أخرى لاختيار من يقوم بتنفيذ إعدام (أوين) ، ليقع الاختيار على الشاب (تشارلز رامس ديل) ، كانت الصدمة قاسية عليهما الاثنين فكيف بصديق أن يقتل رفيق طفولته !! وحين يمسك (تشارلز) البندقية بيديه المرتجفتين لا يستطيع أن يصوبها نحو صديقه ، لكن (أوين) يمسك ماسورة البندقية ويثبت فوهتها على صدره بكل شجاعة ، فيغمض الشابان أعينهما و يدوي صوت الطلقة عالياً ليسقط (أوين) صريعاً ومضرجاً بدمائه ، و من شده الجوع يهجم الثلاثة الباقون على جثته لينهشوا لحمها ، لأن الجوع قد جعلهم وحوشاً ضارية ومجردة من أي حسّ إنساني .

وفي شباط/فبراير يموت (برازلي راي) من الجوع و العطش ليلتهمه رفيقاه الباقيين .

و تمرُّ الأيام و هما على هذه الحال و في شباط/فبراير و بينما هما منهمكان بعظام ما تبقى من رفات رفيقيهما ، تلاحظهم ركاب سفينة تدعى (دولفين) و تنزل منها بعض البحارة لانتشالهم إليها بينما (بولارد و تشارلز) في صدمة و هذيان بسبب ما مرّا به من الجوع ومن الخوف ، و تتم العناية بهما على يد طبيب السفينة لتنتهي معاناتهما التي دامت 93 يوماً بعد غرق السفينة .

وفي آذار/مارس ينتقلان إلى سفينة الأخوين التي أخذتهم إلى جزيرتهم (ناتوكيت) ويلتقون بصديقهم (تشيس) ورفيقه اللذين تم إنقاذهما من قبل .

وهناك يبلغون السلطات عن رفاقهم الذين تركوهم في تلك الجزيرة ويتم إنقاذهم في نيسان/ابريل 1821م و كان الثلاثة بحال جيدة رغم الفترة الطويلة التي مرَّت على وجودهم في جزيرة مهجورة .

و بعد عدة شهور يعاود الناجون الثمانية الإبحار من جديد ويشقُّ كل منهم طريقة على متن سفينة مختلفة ، لكن الحظ السيئ يبقى مطارداً القبطان (جورج بولارد) الذي عاد للإبحار في بداية عام 1822م حيث غرقت سفينة الأخوين التي دفعتها عاصفة شديدة وصار قبطانها أمام شواطئ جزيرة هاواي و تم انقاد طاقمها ، بعد ان تسببت الحادثة بفقدان ثقة أصحاب السفن بالقبطان (جورج بولارد) واعتبروه نذير شؤم بينما اتهمه الآخرون بعدم الخبرة في قيادة السفن .

بعد هذا كله يتقاعد القبطان (بولارد) ويعتزل الملاحة بالبحر ليشتغل كحارس ليلي في مدينته ناتوكيت ، ويخصص يوم 20 من شباط/فبراير من كل عام في اعتزال الناس وحبس نفسه وصوم اليوم كله تخليداً لذكرى رفاقه الذي قضوا في تلك الرحلة .

 

وفي الختام فإن رواية (موبي ديك) خالدة بقصتها الحقيقية التي دفعت الكاتب إلى تسجيل أحداثها بفنيته الروائية الفائقة ، لتكون

روايته (موبي ديك) من أجمل الروايات التي تتحدث عن صراع الإنسان مع الطبيعة .

والروائي الأمريكي (هيرمان ميلفل) هو أحد الأمثلة الكثيرة التي تحكي معاناة المبدعين في ظل تجاهل المجتمع لهم و عدم تقديره لهم وتكريمهم إلا بعد وفاتهم .

إن قراءة (موبي ديك) تمنح القارئ

شعوراً متميزاً للإحساس بمحنة الناس في صراعاتهم المعيشية الكبيرة من أجل توفير لقمة العيش ومدى المعاناة والقهر في الظروف المأساوية التي يصادفونها .

كما أنها المرآة التي ترى فيها الطبيعة البشرية صورة ذاتها الباحثة عن الانتقام في تأكيدها لِذاتِها العمياء التي تتوهم بانها بصيرتها ، ويرى فيها الإنسان صورته بكل تجردٍ ووضوح .

إن في رواية (موبي ديك) تجسيد المحنه الوجودية للبشر في خضم عالم يدفع الفرد إلى خوض صراعاتٍ مُهلِكَةٍ عندما تنعدم موارد الطعام ، وعندما تصير الحياة نفسها على المحك . وفي كل مرة نُصارع فيها أحداث الحياة وضغوطاتها نحاول أن لا ننسى أنفسنا في خضم كل ذلك ، ولكن (هيرمان ميلفل) يصور في روايته (موبي ديك) البؤساء الذين لا يستطيعون مواصلة تذكير أنفسهم بإنسانيتهم ، لأن الجوع وغريزة البقاء سيطرت على كل تفكيرهم ونجحت بقيادتهم نحو مصير أسود مليء بوحوش الجوع التي خرجت لتلتهم ما تبقى فيهم من الإنسانيه والمنطق والعقل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى