مقالات منوعة

محطةُ عابرةٌ

محطةُ عابرةٌ

محطةُ عابرةٌ 

منذُ سنواتٍ عديدةٍ ارتدى لباسَ الوحدةِ ، وجلسَ على سريرِ الأمنياتِ ، يدغدغُ أحلامًا طارت به بعيدًا عن الوطنِ وعادَ ثانيةً بعدَ أن لوّنَ البياضُ شعره ورسمَ الزمنُ خطوطًا بوجهه ، فرشاةُ الأيامِ تركت أيضًا ألوانها .

وحيدًا في منزله بين كتبه ، وذكرى حياةٍ عائليةٍ لم يبق منها إلا الفتات ينعشُ بها ذاكرته وعقلّ لا يهدأ يعملُ بأقصى طاقته وينجزُ العديدَ من أبحاثه التي تركت بصماتٍ في عالمِ الأدبِ والشعرِ والبحثِ التاريخي الأكاديمي .

يقضي معظمَ وقته يقرأ ويعملُ و ينشرُ ما فاضت به قريحته في حسابه الخاصِ في الفضاءِ الأزرقِ وفي دورِ نشرٍ أخرى .

حدثَ ذاتَ يومٍ أن إستوقفه مشهدُ امتلكَ ناصيةَ فؤاده وحركَ ما أعتقدَ أنه ماتَ في ظلال قلبه وحياته الباردةِ فوقف عنده طويلًا .

باتَ يشغلُ تفكيره ويرسمُ خطوطًا جديدةً زاهيةً في لوحةِ أيامه .

قررَ أن يمضي قدمًا ، فتحَ قناةَ اتصالٍ وأخذَ يرسلُ لواعجَ قلبه فتركت صدى طيبًا أثمرَ ارتياحًا لدِى الطرفِ الآخر بما يشبه أرضيةً لتأسيس علاقةً جيدةً .

حدثَ أن إضطرَ للسفرِ لمدينةٍ أخرى

لشأن ما وكان من حُسنِ القدرِ أن طريقه يمرُ بالمدينةِ التي تقيمُ بها من ملكت قلبه وعقله .

قررَ أن يهاتفها علَّه يلتقي بها ويراها وجهًا لوجهٍ في ذهابه أو إيابه ويتأكدُ من دفءِ إحساسه وعمقِ مشاعره وهكذا كان .

جلست في ركنٍ هادىءٍ تنتظرُ قدومه وأدارت وجهها بإتجاهِ النافدةِ تتأملُ منظرَ شمسِ الغروبِ وهي تعانقُ صفحةَ السماءِ بشغفٍ فاتنٍ . بينما هي مستغرقةٌ في تأملها أحست بأنامل تلامسُ كتفها فاستدرات فرأت عيوناً تبرقُ بالدهشةِ وترسمُ إبتسامةً خجولةً .

نهضت وألقت التحيةَ وتابعت حديثها الودّي .

استمرَ اللقاءُ الودّيُ لدقائقٍ معدودةٍ

نهضَ بعدها وطلبَ مرافقتها وهي

تشربُ قهوتها خوفًا من أن تفوته الحافلةُ التي تقله وتتابعُ سيرها في استراحتها القصيرة جداً .

نزلا درجَ الأستراحةِ وهما يحملان مشروبهما وذهبا إلى مركزِ تجمعِ الحافلات ولكن يا للمفاجأة !! . ليس هنالك من حافلةٍ ولا ركابٍ يعرفهم كانوا برفقته ؟!.

أصيبَ بصدمةِ من أن يفقدَ أشياءه ويضطرَ للمبيت في مدينةٍ لايعرفُ

أحدًا بها فعادَ يدورُ برفقتها على مكتبِ السفرِ الذي حجزَ به ، كذلك لم يجد له مقرًا في تجمع مكاتب الحجز والسفر فقد كانت رحلةٌ عابرةً .

هدَّأت من روعه وعادا مرةً أخرى إلى تجمعِ الحافلات ووقفا يبحثان

عن مخرجٍ لما حدث . دقائقٌ مرت وظهرت حافلةٌ من بعيدٍ تتقدمُ ببطءٍ وتأخذُ مكانها المعتادَ فتبين أنها هي المقصودةَ صعدَ إلى حافلته فرحًا مودعًا وابتعدت هي لحالِ سبيلها .

بدأ النعاسُ يتسللُ لأوصاله ويتغلغلُ عميقًا ويستقرُ بأجفانه اعتدلَ بجلسته واستلقى على ظهره وثنى صفحةَ كتابه وأغلقه ووضعه تحت وسادته وسحبَ غطاءَ السريرِ وغطَ في نومٍ عميقٍ مستسلمًا لأحلامِ الكرى .

 

* * * * * *

بقلمي فاطمة حرفوش سوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى