مقالات منوعة

من هم العموديون

من هم العموديون

من هم العموديون؟

   د. عبد العزيز يوسف آغا.

///////////////////////////////////////////////

 

يحاول الإنسان جاهداً التقرب من الله والاتصال به ، بل أحياناً يتهيء له أن الله قد حل فيه.

وقد تنوعت المذاهب والطرق للتقرب من الله سواء بالصوفيه أو بالزهد أوتباع طريق النساك أو اتباع إحدى الطرق التي قد تعرضت لها في منشوراتي السابقة.

ومن طرق التقرب إلى الله نشأت جماعة قرب مدينة حلب تمت تسميتهم بالعموديين، وذلك لأن من اختار الزهد والتقرب إلى الله يصعد إلى عمود مرتفع ويبقى عليه لمدة طويلة قد تصل إلى الوفاة.

وخير من يمثل هذه الجماعة القديس مار سمعان العمودي؟

فمن هو؟!!

ولد القديس سمعان حوالي العام ٣٨٦ م في بلدة سيس القريبة من نيقوبوليس ( أضنة – تركيا ) ، كان راعياً للمواشي منذ نعومة أظفاره ، وفي يوم مثلج لزم القطيع فيه الحظيرة ، ذهب سمعان مع والديه إلى الكنيسة واستمع إلى الكاهن يردد الطوباويات : :… طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض … طوبى للجياع والعطاش إلى البر فإنهم يشبعون … طوبى للمحزونين فإنهم يعزون … طوبى للرحماء فإنهم يرحمون… طوبى لأتقياء القلوب فإنهم يعاينون الله… طوبى للساعين إلى السلام فإنهم أبناء الله يدعون.

وقد انجذب راعينا لهذه الكلمات وانضم إلى جماعة من النسّاك ، قرب سيس وبعد سنتين انتقل إلى حياة اكمل في منطقة دير تلعادة الكبير ولجأ إلى دير برج السبع الذي كان يضم ثمانين راهباً . أمضى القديس سمعان في هذا الدير عشر سنوات قضاها في الصلاة والتقشف . كان يأكل الطعام مرة في الأسبوع.

 

في العام ٤١٢م لجأ سمعان إلى بلدة “تل نيشه” وهي كلمة سريانية تعني (تل النساء) حور بعدئذ إلى اليونانية فدعيت تلانيسوس ( قرية دير سمعان حالياً ) الواقعة على السفح الجنوبي الغربي للجبل الذي أقام فيه في ما بعد بقية حياته . فعاش في هذه البلدة ثلاث سنوات كراهب ، ثم أقام في صومعة وصام الصوم الأربعيني دون أن يأكل أو يشرب شيئاً خلاله ، رغم وجود الخبز والماء قربه. ومن ثم غادر القديس سمعان بلدة تلانيسوس وارتقى قمة الجبل المجاور حيث أقام ضمن سياج صغير على شكل دائرة وربط نفسه بسلسلة طولها عشرون ذراعاً لتحد من حركته وتكون قيداً لجسده . ثم قطع السلسلة واكتفى لرقابة الضمير قيداً روحياً لجسده . وقد خلف مكان تثبيت السلسلة على فخذه قروحاً تختبئ فيها البراغيث وهو يتحمل قرصها بشجاعة لمجد الله.

ذاع صيته بين الناس فأقبلوا يقصدونه من كل حدب وصوب على مختلف الجنسيات . من الفرس والأرمن والعرب ومن أقصى الغرب من إسبانيا وإنكلترا وبلاد الغال ….فمنهم المرضى لينعموا بالشفاء ومنهم العواقر ليرزقهن الله أولاداً وغيرهم.

 

وليتجنب قديسنا مضايقة الزوار انتصب على عمود بارتفاع ذراعين ، وأخذ العمود يزداد ارتفاعاً حتى وصل ارتفاعه إلى ٤٠ ذراعاً . أمضى القديس سمعان على هذا العمود اثنين وأربعين عاماً.

كان القديس سمعان خطيباً، يعظ مرتين في اليوم، ويحل الخلافات ويرشد الوثنيين . فكان مثالاً ورائداً لحياة الناسك . كان يحجه وفود الرهبان وكبار رجال الكنيسة والدولة ، كما زاره بعد الاجتماع الديني في إنطاكية الراهب دانيال مع مجموعة من الأباء برتبة ارشمندريت . فذاعت شهرة القديس العمودي.

ومن عجائب سمعان العمودي شفاء أحد الأمراء من الفالج ، كما استجاب دعاء إحدى الأمهات الإسماعيليات فأصبحت أماً بعد أن كانت عاقراً فدعي “الرجل الإلهي “

كان شديد الاحتمال ففي صلاته وأثناء سجوده ( تصل عدد السجدات إلى أكثر من ١٢٤٤ سجدة ) ينحني فتصل جبهته حتى أصابع قدميه ، لأن معدته قلما يصل إليها الطعام ، ويبقى الليل كله واقفاً من الغروب حنى الشروق.

توفي القديس سمعان سنة ٤٥٩م وسجي جسمانه قرب أسفل العمود في تابوت من الرصاص. وقد جاء بطريرك إنطاكية ( مرتيريوس ) لنقل جثمانه فلقي ممانعة من رهبان البلدة وسكان المنطقة فعاد برفقة ٦٠٠ جندي وبأمر من القائد الأرمني اردبور وحملوا التابوت وتوجهوا إلى إنطاكية ، بقي الجثمان هناك شهراً ثم نقل إلى كنيسة قسطنطين الكبير ، وأخيراً تم نقل رفات القديس سمعان من إنطاكية إلى مدينة القسطنطينية ، أما العمود الذي اعتلى عليه قديسنا (جبل سمعان ) فصار محجاً للناس.

وقد بنيت كنيسة كبيرة آية في الجمال المعماري تخليداً لذكراه قرب العمود الذي كان يعتليه.

وقد جاء بعده كثيرون ممن اتبعوا طريقته.

وقد زرت الكنيسة مع بعض الأصدقاء برفقة العلامة محمد كامل فارس رحمه الله حيث شرح لنا جانباً منسيرة سمعان العمودي.

كما أنني قرأت كتاباً عن العموديين للأب قوشقجي، وهناك مقال ممتع عن العموديين للدكتور جوزيف زيتون أنصح بمطالعته للمهتمين.

 

على طريق النور نسير،،

وعلى المحبة نلتقي،،،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى