الصدمة المجتمعية وصداها على المجتمع,,,
مملكة اطلانتس الجديدة أرض الحكمة
الإتلاف الثاني , الهيئة الوطنية للتربية والتعليم العالي ,
القائم بأعمال قطاع التربية والتعليم العالي ,
الدكتور ياسر رباع .
الأخوة والأخوات الكرام أقدم لحضراتكم الحلقة الخامسة من حلقات كتابي ( الصدمة المجتمعية وصداها على المجتمع ) .
وهنا ومن أجل توضيح ما يحصل من صدمة في المجتمع المحلي فسوف أسوق مثالا آخر يصيب ليس فقط المجتمع المحلي بل يمتد صداه للمجتمع الدولي أو الأقليمي ومثال ذلك سأروي قضية حصلت في الأردن وأدت الى ضجة في جميع الدول العربية وأحدثت صدمة شاملة في جميع الدول العربية وليس فقط في الأردن وحدها وهذه القصة قد حصلت في الزرقاء وتفاصيلها كما يلي وسأضعها تحت عنوان
فتى الزرقاء
كانت قد حصلت جريمة قبل سنوات عدة وتعرض أحد المتشاجرين للقتل وتم محاكمة أحد الاشخاص بهذه التهمة وتمت ادانته والحكم عليه وكان في حينها لديه طفل صغير لا يتجاوز عمره عام واحد ومرت الأيام وكبر ذلك الطفل وأصبح ابن خمسة عشر عاما ولكنه ودون أن يدري كان يتربص به أهل القتيل لينالوا منه ويأخذوا بثأر قتيلهم علما بأن الولد كان طفلا ولا علاقة له بالحادث وذات يوم صادفوه في الشارع وطاردوه وخطفوه وأخذوه الى منطقتهم وهناك حصلت جريمة اقشعرت لها أبدان الملايين من البشر حيث قام الجناة بقطع كلتا يدي الفتى وفقء عينيه وألقوه على قارعة الطريق وحين تم العثور عليه كانت حالته يرثى لها وكان منظره تقشعر له الأبدان وقد انتشرت صورته وهو على هذا الحال على جميع مواقع التواصل الاجتماعي في كافة أنحاء الوطن العربي واجتاحت قضيته جميع وسائل التواصل الاجتماعي وجميع المواقع الاعلامية فكانت جريمة تقشعر لها الأبدان استنفرت على أثرها كافة قوى الأمن الأردنية وتم اتخاذ قرارات من أعلى المستويات الأمنية والسياسية باعتقال كل من له ضلع في هذه الجريمة بعد أن أصبحت قضية رأي عام اردني وعربي وعلى أثر ذلك تم أخذ قرار بالتحفظ على جميع أصحاب السوابق الجنائية وتم اعتقال المئات وزجهم في السجون حيث تم اتخاذ قرار بقمع كافة مظاهر العربدة والزعرنة في المملكة وقطع دابر جميع من يأخذ من الناس خاوات ( أي أخذ المال بالقوة ) وانتشرت دوريات الشرطة في كافة محافظات الوطن وتم اعتقال الجناة وتقديمهم للمحاكمة ولكن صدى هذه الجريمة لم يصدم الحي الذي يسكن فيه الفتى وحسب ولم يصدم المدينة ولا حتى الدولة فحسب بل صدم كافة المجتمعات العربية وصدم كل من علم أو سمع بالجريمه حتى كانت الصدمة المجتمعية هي سيدة الموقف وساد الحزن والبؤس والتضامن والألم كافة المجتمعات العربية دون استثناء .
وقد قامت عدة جهات بتبني حالة الفتى ومنهم من تبرع له بصناعة أذرع آلية تساعده على اعالة نفسه ولكن كل ذلك لم يخمد حجم الصدمة الاجتماعية التي خلفتها تلك الجريمة حيث أصبحت حديث الساعة وحديث كل بيت وكل تجمع وحديث طلاب المدارس والجامعات وحين ترى المتحدثون ترى على وجوههم علامات الخوف والصدمة والرعب وعدم التصديق والنكران لدرجة السؤال هل يمكن أن يكون في مجتمعنا وبين ظهرانينا اناس بهذه الوحشية .
هنا لا بد لنا من مراجعة ردات الفعل التي تنتج عن مثل هذه الجرائم ومراجعة الأساليب التي يمكن من خلالها معالجة الحالة النفسية العامة وهذا ما يدعونا الى الحديث عن طبيعة النفس البشرية وكيف تتلقى وتتعامل مع مثل هذه الجرائم أو الأحداث وسنضع عنوانا لذلك وهو :
النفس البشرية بين القبول والصدمة
ان كل نفس بشرية سوية تكون ميالة الى السلم والأمان والطمأنينة بل وتحيا على هذه المشاعر التي تمكنها من التقدم وتحفزها للاستمرارية والعطاء والعمل والابداع وتتكون النفس البشرية من عدة عناصر يكون قد برمجها العقل فيها وسقلها بحيث تكون نفسا ذات قدرة على تخطي أغلب الأحداث التي تمر بها وتستقي النفس البشرية معظم معلوماتها من الدماغ حيث يكون هو المحرك الرئيس لها وهو المبرمج المركزي الذي يضع فيها كل ما يفكر به وكل ما يطمح له وكل ما يتأمله وما يأمله فيكون الدماغ البشري هو صاحب الأفضلية في قيادة النفس البشرية وكأن النفس هي السيارة والعقل هو السائق فحيثما يوجه السائق السيارة فستتجه الى الوجهة الذي حددها السائق وهكذا فكل فكرة ينقلها الدماغ الى النفس البشرية تخضع للنقاش أو الحوار بين العقل والنفس فاما أن توافقه عليه النفس وتطاوعه واما أن يختلفا فترفضه النفس ولا تقبله وبالتالي يطاوعها الدماغ ويرفض الفكرة هذا طبعا حين تكون الفكرة مجرد خيار أو اقتراح يقترحه العقل البشري على النفس أما حين يكون الأمر مفروضا على العقل كالصدمة مثلا فستجد أن النفس تتفاعل معه وكأنه حدث هام جدا وتخزنه في ذاكرتها ويصبح فكرة مهيمنة لا مجال للحوار فيها بل تخضع للتحليل والتصور فحين يصل نبأ جريمة شنيعة الى الدماغ ويوصله الدماغ للنفس فسيحدث هناك تفاعل كردة فعل تستنفر له النفس وتتعاطى معه بنوع من الرهبة والخوف الذي أرسله أصلا الدماغ الى النفس فتختلط على النفس المشاعر وتدخل في حالة من الصدمة التي لا تستطيع السيطرة عليها كون الحدث حقيقيا وكونه مفجعا فتصبح النفس بالتعاون مع العقل ترسم صورة نمطية للحدث فتصنع منه ما يشبه شريط الفيديو حتى ولو لم ترى النفس أو صاحبها الحدث فبمجرد سماع الرواية الخاصة بالحدث يتم رسم صورة وتركيبها ويصبح الحدث صوتا وصورة داخل النفس وهذا ما يجعل من الصدمة النفسية حالة خارجة عن السيطرة فلا العقل قادر على نفي ما حصل ولا هو قادر على شطب ما تم تسجيله في ذاكرة النفس كونه أختلط بمشاعر جياشة وحزينة ومؤلمة وهكذا فان الأمد الذي تحتاجه النفس لتجاوز هذه المشاعر أو هضمها وقبولها سيكون أمدا أطول من أي فكرة عادية أو حدث بسيط وفي دول العالم المتحضر يعتبرون من أصيب بالصدمة أنه جريح ويتعاملون معه كاصابة تحتاج العلاج .
وفي الحقيقة فان الصدمة النفسية تحدث ندبة في النفس لا تشفى بسهولة بل ان الندبة الناتجة عن جرح عادي بسكين أو أداة حادة يشفى قبلها ويختفي وكأنه لم يكن .
يتبع في الحلقة السادسة بإذن الله
الباحث والكاتب الدكتور ياسر رباع