الحزن ..
د.علي أحمد جديد
قد تفاجئنا الحياة بفقدان شخص عزيز أو حبيب أو أحد من المقربين ودون سابق إنذار ، ويسبب ذلك الفقدان في النفس صدمة مؤلمة وطويلة الأثر . وعن ذلك يقول الباحث في علم النفس (دايفيد هاوكينز) :
” إن الأشخاص الذين يمرون بحالة حزن يستعصي عليهم فهم دور الحزن في حياتهم ، لأن الحزن رد فعل طبيعي للفقد . كما أنه تجربةٌ عامةٌ وشخصية في نفس الوقت ، وتتفاوت درجات هذه التجربة مابين فردٍ وآخر لأنها تتأثر بطبيعة ما تمَّ فقده ” .
والحزن بطبيعة الحال عكس الفرح ويمكن وصفه بأنه ألمٌ نفسي ، وشعور بالعجز عن التفاعل مع المحيط بشكل طبيعي ، وهو شديد الشبه بالهمّ الذي يولّد الكآبة والأسى ، وحتى اليأس أيضاً .. وإنه في كثير من الحالات ، بل في أكثرها يدفع إلى البكاء ، ذلك لأن البكاء يكون تفريغاً لكل ما لايحتمله الجسد من الألم ويسمح بتحليل عاطفة البؤس المؤلم التي تتملك الإنسان وقت الصدمة ، وبذلك يسمح البكاء للإنسان الحزين بشيء من الاسترخاء والتأمل .
والحزن حالة طبيعة يمر بها الإنسان ، وهو حالة يهيمن فيها الشعور بالضيق النفسي ، وما يرافق ذلك من طاقة سلبية كبيرة تتمثل بعدم الرغبة في عمل أي شيءٍ من مظاهر الفرح مهما كان بسيطاً ، وترافقه أيضاً بعض الأعراض السيئة والمؤثرة على الصحة البدنية بشكل مباشر ، كفقدان الشهية والأرق ، والشعور بالاكتئاب وبالإحباط ، وكذلك الإحساس بعدة آلام عضوية في مناطق متفرقة من الجسم . ولأن الحزن من العوامل التي تسبب الكثير من الأمراض ، فإنه يدمر الشعور بالحياة ، ويكون سبباً لشماتة الأعداء ، ولضعف الهمّة ، وفقدان الطاقة والحيوية في الجسم ، والأهم فقدان الأمل وغياب الابتسامة . وغالباً ، فإننا عندما نملك السعادة لا نشعر بها ، ونعتقد أننا من التعساء ، ولكن ما إن تغادرنا تلك السعادة التي لم نُقدّرها حق قدرها ، فكأنها تغادرنا احتجاجاً ربما علينا ، فتعلن التعاسة عن وجودها الفعلي ، لنعلمَ أن الألم هو القاعدة ، وما عداه هو شذوذ عن القاعدة ، ونندم ساعة لا يفيد الندم على ما أضعنا وما فقدناه من لحظات الفرح .
ولكن الحزن قد يكون حالة إيجابية أيضاً في بناء المناعة النفسية ضد الصدمات المفاجئة ، وهو ما تدعو إليه الفلسفة (البوذية – الهندية – التبتية) التي درسها علماء النفس الغربيون مثل (بول إيكمان) الذي يشجع إلى التعرف على العواطف ويؤيد تبنّي الألم كجزء من الحالة الإنسانية لأنها تركز على فهم طبيعة ألم الحزن والأسباب التي تؤدي إليه مثل هذه المشاعر ، والتي تستخدم العديد من الممارسات النفسية الحديثة في العلاج السلوكي للتعرف على المشاعر وتفسيرها في علاج الاكتئاب والقلق .
وتمنحنا أوقات الحزن العصيبة من الفوائد مايجعلنا أكثر سعادة على المدى الطويل . لأن مايحدث خلال المحنة التي نتواصل خلالها مع الآخرين عن كثب في تجربة المحن تبني المرونة من الناحية النفسية ، ولا يمكن للفرد أن يصبح قوياً إذا لم يكن على استعداد للتعامل مع صعوبات الحياة ، وفي الوقت نفسه يجب الحذر من أن النتائج الأخيرة لا ينبغي أن يساء فهمها ، لأنه لا يكون المغزى أن نسعى لنكون أكثر حزناً في الحياة ، بل تكمن المشكلة في محاولاتنا لتجنب الحزن ورؤيته على أنه مشكلة تعرقل سعينا في تحقيق السعادة التي لا نهاية لها ، بينما نحن في الواقع لا نكون سعداء حقاً ، وبالتالي لا يمكننا التمتع بالسعادة الحقيقية التي تفلت لحظاتها من بين أيدينا كلما استطعنا الحصول عليها .
وللحزن عدة أنواع ، ومنها حزن نشعر بالخجل منه
وحزن باحتراق خفي و بطيء في الداخل لانار له و لا دخان .
ولكن يبقى أصدق أنواع الحزن هو ذلك الذي تُعبّر عنه ابتسامة تتألق في عيون تدمع .