الدكتور محمد العبادي
العلاقات الدولية والسياسات الخارجية
بات معلوماً للذين يطلعون على العلـوم الإجتماعيـة بمـا في ذلـك أدبيـات العلاقـات الدولية و السياسة الخارجية ، أن إعطاء شرح لمفهوم العلاقات والسياسية الخارجيين يكـون مـن بواطن خصائصـه المشتركة، مما يعطي من الناحية النظرية إطـاراً منـهجياً و معرفيـاً لرصـد حـدوده الظاهرة،
إلا أننا في الواقع نصـطدم بتعـدد و اخـتلاف المفاهيم بـاختلاف المفكـرين و اختلاف مرجعياتهم الفكرية حول الظاهرة الواحدة، كما هـو الحـال بالنسـبة للعلاقات الدولية وللسياسـات الخارجية .
تتجه السياسة الخارجية بطبيعة الحال نحو البيئة الخارجية، وهذه التي تتسم بالتغيير الدائم بطبيعتها المتقلبة، وبالتالي ستوصف السياسة الخارجية بالتغيير المستمر .
إن الدول التي تحاول تحقيق أهدافها عبر السياسة الخارجية التي ستختلف بطبيعة الحال بين دولة وأخرى بسبب اختلاف مكانة وطموح الدولة هي دولة ناجحة بإمتياز .
وبطبيعة الحال إن السياسة الخارجية لدولة ما هي نتيجة لتفاعل عدة عوامل منها :
الدائمة أو المؤقتة، و منها المعنوية أو المادية، و منها الأساسية أو الثانويـة و منـها الداخلية أو الخارجية، و في أغلب الأحوال يصـعب انتهاج الطريقة التي تتفاعل فيها هذه العوامل .
وقد تنتهج دولة ما سياسات خارجية مختلفة في وقت واحد، كإتباع سياسة خارجية داعمة لبلد ما ، وسياسة خارجية مناهضة أو نائية بالنفس تجاه بلد آخر .
ولذلك عرفت العلاقات الدولية والسياسة الخارجية بتعاريف عديدة منها ما قاله “كورت” : في تعريفه للسياسة الخارجية قائلاً بكلمات أخرى : “أنها تعبّر عن مجموعة إجمالية من تلك المبادئ التي في ظلها تدار علاقات دولة مع الدول الأخرى ، إلا أن هذا التعريف يقتصر على جانب واحد، هو أنه لا يعد القنوات القتالية أداة من أدوات السياسة الخارجية.
أما السيد “ليون ”
فقد عَرَّفَهَا بأنها فن إدارة علاقات دولة مع الدول الأخرى ، في حين يرى
بأنها:
نظام الأنشطة الذي تطوره المجتمعات لتغيير سلوكيات الدول الأخرى، ولأقلمة أنشطتها طبقاً للبيئة الدولية.
أما فيما يخص “ريتشارد ساندر” فقد عَرَّفَ السياسة الخارجية بأنها: “منهج للعمل أو مجموعة من القواعد أو كلاهما، تم اختياره للتعامل مع مشكلة أو واقعة معينة تحدث فعلاً أو تحدث حالياً، أو يتوقع حدوثها في المستقبل.وهذا التعريف يرادف بين السياسة الخارجية وبين قواعد العمل وأساليب الإختيار المتبعة للتعامل مع المشكلات، كما يؤكد على أهمية صانع القرار ودوره الكبير في تحليل السياسة الخارجية لأية دولة، إذ يرى سنايدر في هذا المجال أن الدولة تحدد بأشخاص صانعي قراراتها من الرسميين، ومن ثم فإن سلوك الدولة هو سلوك الذي يعملون باسمها، وإن السياسة الخارجية عبارة عن محصلة لقرارات من خلال اشخاص يتبوؤن المناصب الرسمية في الدولة.
ويقترب من هذا التعريف، التعريف الذي قدمه “تشارلز هيرمان” للسياسة الخارجية، حيث يرى فيها بأنها مرادفة لسلوكيات السياسة الخارجية والتي يقوم بها صانعوا القرار الرسميون، إذ يعرفها: “ بأنها تلك السلوكيات الرسمية المتميزة التي يتبعها صانعوا القرار الرسميون في الحكومة أو من يمثلونهم، قاصدين بها التأثير في سلوك الوحدات الدولية الخارجية .
في حين يرى “جيمس ريسنوا” السياسة الخارجية تعني التصرفات السلـطوية التي تتخذها الحكومات أو تلــتزم باتخـاذها، إمّا للمحـافظة على الجوانب المرغـوبة في البيئة الدولية أو لتغيير الجوانب غير المرغوبة فيها.
وبموجب التعاريف السابقة يمكن لنا أن نرى الإختلاف حول مفهوم السياسة الخارجية ، ولتبسيط نقاط الإختلاف والإتفاق سنقسم رواد السياسة الخارجية إلى ثلاثة مجموعات ، على الرغم من أن التقسيم يجب أن يشمل عدد أكبر من ذلك بكثير:
المجموعة الأولى:
والتي ترى بأن نظام السياسة الخارجية هو في الواقع نظام تابع للنظام الدولي، وعليه فإن السياسة الخارجية ما هي سوى رد فعل نظام تابع على النظام السياسي الدولي الأساسي. ورغم أن اصحاب هذا الفكر لا يرون أن نظام السياسة الخارجية هو المحدد الرئيس في حد ذاته إلا أنه يقدم الوصف والشرح والتنبؤ بطبيعة السلوك السياسي الخارجي. كما يذهب البعض إلى اعتبار طبيعة السياسة الداخلية غير هامة في السياسة الخارجية، حيث تظهر هذه الأفكار بشكل واضح مع منظري السياسة الخارجية الواقعييَن بشقّيهم( الكلاسيكي والحديث) أمثال: “هوبس، ومورغانثو، وجون ميرشايمر” .
المجموعة الثانية:
هي تلك التي تجعل من نظام السياسة الخارجية كمستوى للتحليل، فهي تحاول الربط بين مخرجات سلوك نظام السياسة الخارجية بالمدخلات التي تأتيه من المحيطين الداخلي والخارجي للدولة، فتحاول تفسير أسباب سلوك السياسة الخارجية انطلاقا من الفكرة التي ترى أن عمليات اتخاذ القرار في السياسة الخارجية تحدث داخل عملية التحويل التي تجمع كل المدخلات سواء كانت خارجية أو داخلية. بمعنى آخر إنها تنشأ نتيجة للجدل الدائم والمستمر بين المصالح والأعراف الدولية، وبين البراغماتية والمبدئية وبين الفكر والممارسة. وقد ظهر هذا الاتجاه بشكل واضح عام 1959 , حين كتب “كينث والتز” كتابه الشهير “الإنسان الدولة والحرب ” والذي وضع فيه ثلاث مستويات لتحليل العلاقات الدولية والسياسة الخارجية هي: النظام الدولي،والدولة، والفرد .
أما المجموعة الثالثة:
التي تتمثل في النموذج البيروقراطي ، حيث حصرت السياسة الخارجية بالدولة وركزت على جانب واحد من المؤثرات على السياسة الخارجية تكون بيد الحكومة، أو أصحاب القرار. رافضةً أن تكون الذراع العسكرية إحدى الأدوات للسياسة الخارجية على عكس ما عَرَّفَهَا آخرون.
النظريات المرتبطة بالسياسة الخارجية:
إن السياسة الخارجية لبلدٍ ما هي: جملة من الأهداف السياسية التي تتحدد من خلالها كيفية التواصل بين هذه الدولة ومحيطها، وتتمحور هذه الأهداف بشكلٍ عام حول حماية أمن الدولة وتحقيق مصالحها الوطنية، والفكرية، والإقتصادية، ويمكن تحقيق هذه الأهداف عبر الطرق السلمية