السياسة والتياسة وجهان لعملة واحدة .
الدكتور محمد العبادي
في عالمنا المعاصر، كثيراً ما تُستخدم كلمتا “السياسة” و”التياسة” بصورة متداخلة، وقد يُظن أن بينهما اختلافاً في الدلالة والكثيرون يربطان التياسة بالسلوك السلبي أو المكر، بينما السياسة ترى فيها كفن الحكم والرأي الصائب.
لكن الحقيقة أن السياسة والتياسة هما وجهان لعملة واحدة لا ينفصلان، وكلاهما يعبران عن طبيعة التعامل مع الأمور العامة واتخاذ القرارات التي تؤثر على المجتمع.
السياسة فن الإدارة واتخاذ القرارات
السياسة هي الأسلوب الذي يُنظم العلاقات بين الأفراد والدول، ويقود عملية صنع القرار على المستويات المختلفة، سواء في الحكومة أو المؤسسات أو حتى داخل المجتمعات الصغيرة. السياسة تعني توزيع السلطة، وترتيب الأولويات، والتفاوض لحل الخلافات بطريقة تحقق مصلحة الجميع أو الأغلبية.
التياسة الذكاء السياسي والمرونة
التياسة هي الجانب العملي والسيكولوجي من السياسة؛ هي القدرة على المناورة، والتحدث بحكمة، والتفاوض بذكاء دون فقدان المصداقية. التياسة تعبر عن صلابة وقوة التفكير وإدارة العلاقات بحساسية لمواقف مختلفة، وأحياناً قد يستخدمها البعض للتعبير عن تصرفات ماكرّة أو تجنب الصدام.
لكن التياسة ليست بالضرورة سلبية، فالكثير من القادة الناجحين يجمعون بين سياسة واضحة وقيم ثابتة، وبين تياسة تجعلهم قادرين على تحقيق مصالحهم بسلاسة، وضمان استقرار العلاقات.
وجهان لا يمكن فصلهما
السياسة بلا تياسة قد تصبح جامدة لا تستجيب للمتغيرات، والتياسه بلا سياسة تتحول إلى خداع أو ضبابية في المواقف. لكن التوازن بينهما هو سر النجاح، إذ يجمع السياسي الناجح بين مبدأ واضح وقدرة ذكية على تطبيقه، وبين مرونة تحسن قراءة الخصوم والحلفاء على حد سواء.
السياسة والتياسة وجهان متداخلان يعكسان بيئة العلاقات الإنسانية المعقدة، فالثورة في الفهم تقضي بأن لا نفرق بينهما بشدة، بل نعتبرهما أدوات مكملة في تعزيز الحكم الجيد، وحل المشكلات، وتحقيق التقدم. ومَن أدرك قيمة التياسة ضمن السياسة، استطاع أن يرسخ موقعه ويترك بصمة واضحة في تاريخ مجتمعه.
